لست مع التهويل أو المبالغة، كما أنني لست من هواة الإنكار الأعمى.
قبل ما يزيد عن عشرين عاما، مر العالم، ونحن من ضمنه، بمشكلة العام 2000، وبغض النظر عن تقييمها كمشكلة أم مؤامرة، فقد كان لها فائدتان على الأقل:
الأولى هي اضطرار الكثير من المؤسسات العامة والخاصة على تطوير وترقية وتغيير برامجها الإدارية المحوسبة خوفا من تعطلها عند دخول العام 2000،
والثانية هي تدريب المؤسسات على مستوى الدولة على كيفية التعامل مع حالات طواريء وطنية ولكنها غير طبيعية (كالزلازل وغيرها).
وخلال العشرين عاما الماضية تم الاستثمار في العديد من التقنيات لتسهيل معيشة الناس والمؤسسات، ولكن ما يغلب على الكثير من هذه الأنظمة والبنية التحتية، هو قلة استخدامها وانتشارها نظرا لعدم إلزاميتها ونظرا لمقاومة الأفراد والمؤسسات للتغيير بشكل عام.
وأما بالنسبة لفيروس كورونا (COVID-19) وعلاقته بالتكنولوجيا في بلادنا، فسؤالي هنا هو التالي، ماذا لو تم فرض حظر للتجول أو حظر صحي على مستوى الوطن، بعمومه أو أغلبيته، ولمدة شهر كامل أو شهرين، فكيف يمكن تقليل (ولا أقول إلغاء) ضرر ذلك على الاقتصاد والتعليم والخدمات الصحية (والقائمة تطول)، وخاصة أن الناس ستبقى في بيوتها في القرى والمدن طيلة هذه المدة؟
ولطبيعتي الغالبة في التركيز على ما يمكن عمله الآن وباستخدام الموارد المتاحة الآن وليس التركيز على نقاش ما كان يجب عمله من قبل، فإنني أطرح التساؤلات التالية:
بالنسبة للتعليم في المدارس والجامعات، فكيف يمكن تفعيل البرامج التعليمية السحابية الموجودة في كل المدارس الحكومية والخاصة وفي كل الجامعات من أجل ديمومة العملية التعليمية ولو جزئيا؟
بالنسبة للخدمات الصحية، فما الذي يمكن عمله لتخفيف الضغط على المستشفيات والتقليل من اضطرار المرضى للتنقل، سواءا فيما يخص هذا المرض أو الأمراض الأخرى؟
بالنسبة للاتصال بالانترنت، فكيف ستستطيع شركات الانترنت مواكبة تغير طبيعة الطلب على خدماتها وتلبية الحاجات المختلفة للاتصال (مثلا سرعات الرفع والتنزيل)؟
بالنسبة لعمليات الدفع الالكتروني، هل يمكن تفعيل جميع قنوات الدفع الالكتروني بشكل شبه جبري وذلك على الخدمات الحكومية والبلدية والتجارية العامة بما يخفف من الحاجة لاقتناء النقد وتداوله والاصطفاف على آلات الصرف الالي والبنوك؟
ماذا عن الفئات المهمشة جغرافيا واقتصاديا، فما الذي يمكن عمله من خلال الموارد التكنولوجية المتوفرة حاليا لضمان عدم حرمانهم من الخدمات المختلفة في حال توقف مجرى الحياة الطبيعية لأسابيع؟
والأمثلة والأسئلة والأفكار كثيرة، وقد تشكل فرصا تطويرية وتجارية حقيقية للكثيرين.
وبالتأكيد، فإن الكثير من المؤسسات تمتلك خطط طواريء فاعلة، ولكني أزعم أن التعامل مع أمر محتمل كهذا ولمدة كهذه يحتاج منا أن نخطط (كمؤسسات وأفراد) بشكل مختلف ودون هلع.
فإذا ما تمخض كل هذا الأمر عن كونه لا شيء، فسنكون قد اكتسبنا على الأقل معرفة امكانيات التكنولوجيا المتوفرة لدينا بشكل أفضل - ولو بسبب الخوف كما حصل قبل 20 عاما.
ودمنا سالمين مطمئنين.